السلام عليكم
السلام على الحاضرين الغائبين . . الشهداء العاشقين
على الدماء تخصب وجه فلسطين ؛
شهد النكبة الأولى و عمره أقل من سنة ، هاجر مع أهله من قريته قضاء حيفا الى الضفة الغربية ، و أصبح لاجئا قبل أن يتعلم المشي ، فخطى أول خطواته تحت خيمة باردة سرعانما تحولت إلى بيت يرثه عن والده ؛ و امتهن المشي على الاقدام امام حمار اعرج ، يبيع الخضار الموسمية التي يزرعها في حاكورته الصغيرة ، من أجل إطعام أفراد عائلته المكونة من أربع بنات جميلات ، يحبهن و يغرف عليهن بالحنان ، و هن بالمقابل يجدن مهنة كسب حبه ، يستقبلنه بالعناق و يحطن به من كل جانب بكل حب و حنان ، فيزول عنه شقاء نهاره ، و زوجة صابرة حليمة شاطرته منذ الساعة الاولى لها معه عناء النهار و دعوات الليل .
و رغم أنه كان إنسان مؤمنا ، و راضيا بما قسمه الله له إلا أنه كان لا يخفي مدى رغبته أن يكون له ولدا يكون امتداده في الحياة ، يفتخر به امام الناس ، و يكون عونا له على مشاق الحياة و نوائب الدهر ، يريحه في كبرته ؛ و تحقق الحلم بعد انتظار دام عشر أعوام .
" يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحي لم نجعل له من قبل سميا . . "
فقام ليله شاكرا الله فضل عطيته ، و أكمل حياته يجوب الشوارع و هو يقتاد حماره المحمل بالخضار ، ليظلل على عائلته و يقيهم الحاجة ، و يوفر لهم في أخر النهار لقمة عيش شريفة هنية تسكت جوعهم لليوم التالي مع القليل القليل من القروش البيضاء ، لتمكن أبناءه بناتا و ولد من استكمال تعليمهم ، و كان يُصـِر عليهم ان يستكملوا دراستهم رغم ضيق الحال ، لأنه مقتنع أن التعليم هو المخرج الوحيد لأمثالهم ممن طردوا من بلادهم عراة ، لا تقبل بأحدهم الدنيا إلا إذا فرض ذاته بذراعه و علمه .
و ظل يتابع إبنه و هو يكبر أمامه سنه تتلو سنه و كل شبر بنذر لله بعين الترقب ، و يستعجل الأيام حتى يشب و يراه يحمل أعلى الشهادات ، و قد وصل إلى أعلى المراتب ، فيريحه من شقاءه ، بينما القدر كان أسرع من تخيلاته و أحلامه و فرد شراعه بالموت .
بعد ساعة واحدة من عودت الى بيته بعد ساعات من المشي ، و استجداء لقمة العيش ، اخترقت آذانه أصوات تكبيرات أتية من الخارج ، و صوت مأذنة مسجد المخيم الكبير فحالت بينه و بين قيلولته الأية القرأنية التي تسبق دائماً خبر تشييع شهيد .
" و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ... "
و حين أخرج رأسه من الشباك ليحسن الاستماع الى الصوت القادم من مأذنة المسجد ، كانت التكبيرات تقترب من بيته فتغطي على صوت المأذنه ، بلا وعي هرول الى زوجته يسألها عن ابنه ، فإذ بهم يدخلون عليه به محمولاً على الكفوف مخصباً بدمه ، و قد إخترقت رصاصة قناص صهيوني حاقد صدره عندما كان عائداً من مدرسته يحمل بيده شهادة تقدير لتفوقه ، لتفجر قلبه البرئ الذي لم يكمل ربيعه الثاني عشر بعد ، فاستقبل الوالد المسكين ولدهُ الوحيد بالشهادتين ، و هو يصيح بصوت أقرب إلى النحيب :-
" حنّي على الغالي يا أم الشهيد
طاير بيحوم عَ بواب الجنة
هاهيلو و بعرسو غنّي
مليون مبارك عريس الزين
كل شبر بنذر و سنة ع سنة
شب الزريف بحسنو جِنّي
اطنعشر سنة صارلو مستني
تايسقي بدمو أرض الزيتونا "
- النهاية
حنين نضال [ حنين ادم ]