الجمعة، أكتوبر 14، 2011

✿ - أطياف تبحث عن وطن / قصة قصيرة ؛





بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته
السلام على الحاضرين الغائبين على الصابرين المرابطين خلف القضبان
السلام على الشهداء العاشقين على الدماء تخصب وجه فلسطين ؛




قصة اليوم / إهداء خاص إلى أسرانا البواسل الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية ضد سجانهم و قيدهم لليوم الرابع عشر على التوالي من أجل مطالبهم العادية التي نصت عليها التشريعات الدولية و القانونية ؛ في زمن مضمخ بالكبرياء و أمكنة تفيض بالأبطال و الأوجاع ؛

 




كان جالساً في الزنزانة الإنفرادية الباردة التي لا يربطها بالعالم الخاريخ سوى فتحة صغيرة في أعلى إحدى جدرانها الأربعة مفترشاً الأرض في لحظة إختناق شارد الذهن في طائر متغلغل في غمار السماء في ساعة غروب لا يعكر هدوءها  سوى قطرات الماء المتقاطرة من الصنبورة التي لا تكف عن إجهاض القطرات في السطل أسفلها .


و بينما لا يزال بصرهُ معلقاً في إتجاه الطائر المحلق في كبد السماء داهم شرودهُ صدى صوت قادم من بعيد " يا دامي العينين و الكفين أن الليل زائل لا غرفة التوقيف باقة و لا زرد السلاسل * "

للوهلة الأولى خُيل لهُ أن شئ من الجنون خالط عقلهُ ، و أخذت التوجسات القاتلة تتصاعد و تتنامى بسرعة و كاد قلبهُ يخرج من بين أضلعه ؛ و سرعانما أخذ يكبح جماح هواجسه " تصبري يا نفس ربما هذا الصدى يخفي سر جميل و خير كثير ! "

لملم شتاتهُ و استعان بجدار الزنزانة و هم واقفاُ عن أرضها ، و إتجه ناحية القبلة نافضاً عن روحه غبار سنين الأسر العشرين ، و أطلقها سرب حمام حلق فوق ربوع الوطن قبل أن يرحل إلى عالم الغيب و الشهادة . حيث انتفض الحمام في الهواء الشفيف ، و تشكل من نور .

سار بين الشوارع و الأزقة بينما قدماه تقودانهُ كيفما تشاء الشوارع المتقاطعة عازما ً البحث عن زهر الأقحوان في أرض كانت بالأمس له وطن و هوية و عنوان ، و دموعهُ تروي ظمئ أرض لا تعرف الوسن تنعى وطن توارى خلف جدار اسمنتي كما توارت شمس نهاره خلف الشفق .


و يوماً بعد يوم و سنة بعد سنة ، و بين الجبال و الهضاب و الوديان و السهول و الصحراء و الغور و الساحل ، مازال يسير باتجاه غير معلوم يستجدي وطن خدشتهُ أظافر الجدار بعد أن ألقى به الإستيطان في بحر لجي يغشاه موج من فوقه سحابٌ من سديم ، تاركاً وراءهُ سنين من الهم و الأسى و شعارات و قوافي مدح هجائي يرثي التاريخ المتنصل من نشوة الإنتصار الكاذب الذي واسى به نفسه طيلة سنوات الإعتقال ؛ 

و حين مل السير جلس القرفصاء على أعتاب قلعة محصنة بأشواك العمالة و الخيانة بعيدة عن العالم.

رتب على كتفه رجلاً عجوز يتكئ على عصاة بعد أن سرق الزمان شبابهُ فإنحنى ظهرهُ و حفر على وجنتيه تجاعيد عمر غرق بالتعب و الأسى سائلاً إياهُ أن كان يبحث عن شئ !

أجابهُ بكلماتٍ مبللة بالدموع " أبحث عن وطن أشد إليه الرحيل يلملم شتاتي و كفن يضمد جراح السنين لم يلوث نقاءهُ أحد "

نظر إليه الرجل العجوز بعين الشفقة و لم يتمالك نفسهُ من السخرية و قال :- "انتظر زوال الحصار و الحواجز و رحيل عباس و ستجد لك وطن بهذا الإتجاه " مشيراً إلى حدود فلسطين التاريخية !

تكوع العجوز بجواره ملقياً عصاهُ على الأرض ، و تنهد و هو يحاول إيقاف عصاهُ من التدحرج سانداً إياها بحجر صغير ثم قال :- " الوطن لم يعد نفس الوطن . . أصبح مختلفاً عما ألفناهُ في كتب الجغرافيا و حكايات التاريخ !  إختاروا حدوداً جديدة لوطن جديد مدنهُ ليست كتلك التي في ذاكرتنا "

 و في الأفق إلتقت أرواحهما و توارت أجسادهم تحت تراب أرض لم يرضوا بها وطن !





- النهاية 
حنين نضال ( حنين أدم )






Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites