الجمعة، يناير 16، 2015

✿- فوق السحاب إلتقينا |قصة قصيرة .


كعادة العشاق إذا ما تم لقاء ، تكون الصدفة العامل الرئيسي لهذا اللقاء . لتطفي على المشهد الطابع الدرامي الذي يزيد من إحتدامه ، و تشويقه ، خصوصاً في لحظات الصمت الاولى قبل أول كلمة يتفوه فيها أحدهم .

ركب كلاهما الطائرة ذاتها ، دون علم الآخر ، و أنا على يقين لو أن أحدهم علم بوجود الآخر لتراجع عن الصعود ، و ألغى فكرة السفر ، و أصبحت الطائر تمثل هاجس اللقاء . و لأنه القدر منكر بهيئة "الصدفة" جلس كلاهما في ذات المقعد . لتتعانق النظرات ، و لو من خلف عدسات نظاراتهم المكبرة ، ولو أن العيون أحاطتها تجاعيد السنين ، ولو أن الهيئة إختلفت كثيراً .. الحب الحقيقي "عنقاء " يعود للحياة مع أول نظرة ، و يعود لشبابه مع أول همسة .

- يوماً لم أتوقع أن تسرج رحلة الخيال خيلها ، و تسري بي إلى أرض الأحلام ، و آرى الآماني تتحقق أمامي . حقاً إنه لعالم غريب و مدهش ، من كان يتوقع أننا سنلتقي ، و حين نلتقي فوق السحاب يكون لقاءنا !؟ و اللهِ أني آراني فارساً فر من أساطير ملوك الشرق .. أو أنني في وسط مشهد إدرامي ؛ حيث هناك على شرفة الزمان نافذة تتراقص فوقها ستارة حريرية شفافة تطل على عالم لحب الساحر ، و نحن الإثنان أبطال هذا المشهد و ترافق لقاءنا فرقة أولكسترا تعزف لحناً يزيد من توتر اللحظة و إحتدام المشهد . إنها الحياة بكل ثقة الأيام ، و بانكسارات الأحلام ، و فوضى الآمال العارمة المطلة على عينيكِ حيث تمتد شواطئ أحلامي المبعثرة كحبات مسبحة مقطوعة .
كم مر على أخر لقاءٍ لنا ؟!
منذ ذلك الوقت و ضمير الكون يتمتم لي بأننا سنلتقي و لن نفترف أبداً ، و لا زالت أم كلثوم بأغنية "أغداً ألقاك " تخبر قلبي أن كل صبح له موعد مع الغد و إن لم يشأ ؛ تلك التمتمات تحيك لي الكثير من أمنيات اللقاء ، و التي ارتبها فوق رفٍ من الدعوات الليلة . لطالما كنت مؤمن بأن الأقدار ستجمع شملنا ، و تنتهي من بعدنا أحزان العشاق ، و تتحقق بقايا الأمنيات في القلوب المنكسرة ، و تعود الحياة للبيوت المهجورة و ستفتح الشمس نوافذها .

- دعك من مفردات الشعراء ، و من جمل الروايات المزركشة بخيال العشاق الرومنسي ، لم أعد المراهقة الواقعه في الحب ، و لم تعد الحياة قصة حب " لقاء و فراق " البيوت هُجرت لأن قدم مستعمر دبت في البلاد ، و الشمس غيّمة عليها غمامة سوداء تتغذى على دخان القنابل ، و هذه الطائرة التي جمعتنا بعد كل تلك السنين لم أمتطيها رغبةً في السفر غير أني أجد كل العواصم أصغر من زنزانة المحتل ، و أشد فتكاً منها على ثائر أبعد عن وطنه , ذلك الوطن و قضيته التي عرفتني عليك ؛ لعل شهرتك كشاعر أنستك إياه .

- لا بل هي عيناكِ ، انستني قضيتي ، وحتى اسمي . لا تتهربي من الموضوع .

- عن أي موضوع تتحدث ، يا رفيق الغضب غزا الشيب شعري ، و قلبي الذي طرح أرضاً بغية الهلاك لو أعيد تدويره للمرة الألف لن يصبح صالح للاستعمال البشري . الزنزانه و المنفى بتواطئ مع الزمن جعلوا مني خردا . إذا ما شاب الثائر المهزوم نشب في داخله شعور بالإختفاء ، ولا اعني تلك الرغبة الناجمة عن موقف ، بل رغبة بالاختفاء و كأنك لم تخلق .. دون سبب . بل هناك سببٌ و مسببات كلانا يعرفها جيداً ، إنها تدفعنا إلى التلاشي كالوميض ؛ لا تاريخ يحمل مولدك ، لا عمراً يتمدد بداخلك ، لا مشاعر ، لا أحلام ، لا أوهام ولا آمال ، لا حضور ولا غياب ، ولا حتى قبر لك بين القبور ، لا شئ أبداً .

- لا بل شعور آخر شعور أعمق و أوجع يتلخص في غربتين و الحنين لوطنين ، من الغباء بمكان أن يعتقد أحدهم أن الشهرة قد تنسي الغريب وطنه ، أو العاشق حبيبه ، يقول الشاعر :-
نقــل فــؤادك حيـث شـئت من الهـوى ... فما الحب إلا للحيبيب الأولــــي 
وكم من منزل في الارض يألفه الفتى ... و حنينه أبد الدهر للمنزل الأولي 
لا زلت أحتفظ بالكثير من المعاني التي خبأتها لقصائد سأكتبها مستقبلاً ، و حين أقول الكثير فهذا يعني بأن جعبتي تغصُ بالكثير من المفرادات الملفوفة بالشرائط الحمراء و لا تليق إلا بقصيدة ينظمها شاعر مغوار مع القليل من المشاعر لإمرآة باذخة الجمال ، أو وطن حُر .. و آخشى ما آخشى أن أموت قبل أن تُنظم تلك القصائد . لقد كنتي ولا تزالين جزءاً من أدبي ، و وطني ، لم تغيبي عن بالي يوماً انتي الغائب الحاضر في كل مناسبة ، وكل مكان في حلي و ترحالي ، انتي الماضي ، و فيكِ يتجلى المستقبل المنتظر ، و لشدة تفكيري بهذا المستقبل لقد اخترت المشط الذي سيداعب شعركِ وقد غزاه الشيب كهدية لعيد ميلادكِ الستين ، و رأيت مشهداً يحمل لمعة عينيكِ حين رؤيتكِ لأول شعرة بيضاء ستنال من شعرك ، فكان هذا المشهد السبب الرئيسي للتحول الذي يثير غضبكِ الآن ، و أكتب قصائد الغرام بدلاً من شعر الثورة و الإنتقام . أنا أكثر تفائل ، كما التقينا بعد كل تلك السنين لا بد أن يزول عن بلادنا بلاء الاحتلال ولو بعد حين ، سيزول هذا الهم لا محالة سيزول !

طال الحديث بينهما عن الوطن تارة ، و عن العشق تارة إلى أن غلب النعاس كلاهما ، دون أن يغلب الأمنية المعلقة فوق رأسيهما . فهل ستحط الطائر بهما على أرضٍ تتوق لها الأفئدة ؟! فيكملا حياتهما معاً من مهد الحب إلى لحد الحياة ، وقد حققا الأمنية الأهم في مسار وجودهما "حرية الوطن" . 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites