بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته ..
كان يا مكان في عصر متوغل في الوحل ..
***
يحكى أن شعب لا يمت لنا بصلة في بلد ما في مكان ما ، و على كوكب بعيد عن المجموعة الشمسية لهُ حاكم .. أو حاكم لهُ .. ممم لا يهم !
هذا الحاكم يتبوأ منصبة لسنين و لسنين لرغبة الشعب الناخب ، فهو في كل عام يفوز بنسبة 99.99 %
أما بالنسبة الى الواحد في المية المتبقية تكون من نصيب لا أحد - نعم لا أحد -
فالورقة الانتخابية لم تكن تحمل إلا خيار واحد !
خيار علمه السواد الأعظم منهم علم اليقين ، و مع هذا كانوا يمارسون حقهم
الديمقراطي ( الانتخاب ) في كل عام ، و هذا لأنه و فقط شعب ديمقراطي ، و يحب الديمقراطية ، و يعمل على تنفيذها !
***
و كان لصاحبنا ( الحاكم ) مثله مثل أيّ حاكم مخضرم فلسفته الخاصة ، و مبدأه الخاص الذي يؤمن به ’’ صم بكم عمي .. سيروا و أعين المخابرت ترعاكم ( و ين ما كنتم حتى في الحمام و المنام نيهاهاها ) و ناموا و لا تستيقظوا ما فاز إلا النوم ‘‘
و يرى حاكمنا المبجل نفسه مختلف عن باقي الحكام على كوكبهم ، والكواكب الاخرى ، و لا يتوانى عن قصفهم من رجعية ، و امبريالية ، و تخلف !
رافعاً هو شعار الاشتراكية ، و العدالة ، و المساواة ، و الحق ، و الديمقراطية .. الخ
***
أما الشعب فكان مجموعة من القطيع أقصد البشر يحسنون الانصياع ، يؤمرون فينفذون ما يؤمرون به على أكمل وجه ( كونوا صم بكم عمي . . كونوا أصنام . . لا تفكروا . . لا تعوا . . لا تفقهوا . . لا تقرأوا . . لا تفعلوا . . و الذي منو )
و كلهم بلا استثناء مرضي بأنيميا الكرامة و الحرية الخبيثة ، و بحكم الأعراف في بلادهم تراهم كلهم عاطلين عن الفعل ، إلا عن أداء حركات الإنحاء أمام ذلك الحاكم ، و الدعاء له كدرب من دروب النفاق ( تمسيح جوخ )
و الوقوف في طوابر ، ففي كل مكان تراهم يقفون في طوابير لا منتهية في طوابير المؤسسات الحكومية ، و طوابير العيش ، و طوابير أيّ شئ ، و لأيّ شئ ، ففي الطوابير متسع لقتل الضجر من ساعة الفـَجر و حتى الفـُجر ، و حرية التعبير عن اللارأي في اللاشئ
و هكذا يمضي العمر ما بين الطاوبر و الجلوس على القهاوي ، فللقهاوي مع هذا الشعب حكاية أصيلة متأصلة ، فهي بدورها تأكل ما أبقته الطوابير من عمر هذا
الشعب المترهل !
***
ثم مرة الأيام و الأعوام تباعا ، و الحال على ما هو عليه ، و بينما مجموعة من الشباب المثقف يشاهد قنوات التلفاز في أحد المقاهي ، و كانت تنقل صورا حية عن الثورة في الكواكب الأخرى !
تسأل الجميع أنه لطالما عندهم نفس تلك الظروف المشابهة لماذا لا يكون عندهم ثورة أيضا ؟ ( ما حدا أحسن من حدا )
البعض تشجع للفكرة لأنهم رؤوا فيها وسيلة للتغيير ، و تحسين ظروفهم المعيشية ، و الاجتماعية ، و حتى الساسية !
و ابعض الأخر بحكم أنهم عاطلون عن العمل ( لا شغلة و لا مشغلة )
أعجبتهم الفكرة على الأقل أفضل من الجلسة في المنزل
( أهي شغلانة الي ما عنده شغله )
و يا جارة قولي للجارة ثورة و الشعب ناوي يعمل ثورة
و هكذا انتقل الحديث من شخص لأخر حتى تفشى في البلاد بأكمها !***
و بدء التحضير للثورة على عجل ، و بحكم الأعراف المعمول فيها في الثورات هاي الأيــام قرروا أن تكون ثورتهم يوم الجمعة المقبل ، حتى لا تسبقهم أي بلد أخرى على كوكبهم في هذا المجال ، و باشروا بالفعل في التخطيط للثورة ، و التكتيك !
بدأت التجمعات في كل البلاد و التنظيمات العلنية ، و السرية ، و الخفية على توتير، و الفيس بوك ، و على المقاهي ، و اليوتيوب ، و في المساجد ، و الجامعات ،
و الشوارع ... إلخ
لوضع شروط الثورة ، و مطالبها ، و أهدافها ، فهم لا يريدون ثورة غوغايئة يريدونها ثورة منظمة سلمية حارقة خالعة تثبت للبلدان الاخرى على كوكبهم ، و الكواكب الأخرى أنهم شعب ديمقراطي فاهم ، و واعي لما يريد !
اشترك الجميع - الجميع على حد سواء - و الكل يفتي على خلفية ما تعلموه من تجربة الكواكب الأخرى التي خاضت تلك التجربة ، و وضعوا نقاطا حمراء ، و أخرى موف لتسيير الثورة فهم وضعهم خاص !
***
و بعد كل ذلك اختلفوا على شئ واحد و كادوا لأجله أن يلغوا ثورتهم ، ففي بلادهم كلها لا يوجد ميدان أسمه ميدان التحرير ، و كل الميادين ، و الساحات تحمل اسم الحاكم ، او اسماء اولاده ، او ألقابه ، و لم يكن من المناسب أن تقوم الثورة في ساحة ، أو ميدان يحمل اسم الحاكم ، أو لقبه ، و احتدم الجدل على المكان الذي سيعتصمون فيه الثوار ، حتى اقترح أحدهم من خلال صفحة أطلقها على الفيس بوك أن يغيروا اسم الميدان الذي يحمل اسم الحاكم اى ميدان الحرية كخطوة أولى باتجاه التغيير ، و لقيت هذه الفكره استحسان الجميع ، و استعدوا لنزول الى ذلك الميدان يوم الجمعة ، و الاعتصام فيه ، و بالفعل صباح يوم الجمعة نزل الجميع الى الميدان عينه ، و امتلاء بالناس ، و كأنه يوم الحشر !
و أسوة بالثورات الأخرى بدأ الجميع بالهتاف - كلٌ على حدى - بالشعارات الشهيرة
" ارحل .. ارحل " ، " الشعب يريد اسقاط النظام " و الذي منه !
***
و بعد عدة أيــام ، و بعد أن استوعب الحاكم الأمر ، و أدرك أن الشعب لا يمازحه و جاد في موضوع الثورة ( ناويها بجد )
جاءت قوى مكافحة الشغب ، و بدأت بضرب المواطنين ، فما كان من الناس إلا أن قاموا بالتصدي بصدورهم الهشة ، و الوقوف بوجه الرصاص ، و القنابل الخانقة الحارقة الملتهبة الحاقدة الجارفة للدموع ، و العصي ، و الهراوات ، و الجمال ، و الخيول ، الثيران المسعورة من صنف آكلة لحم البشر !
و سقط الكثير من المواطنين شهداء يروون بدمائهم ظمئ ارض لا تعرف الوسن تنعى كرامة الانسان ، أو قتلى على حد قول الحاكم !
فهاؤلاء حسب وجهة نظره قطيع مخربين يريدون أن يخربوا البلد ، و أن يوقفوا عجلة الانتاج وووووووووووو . . . و سلب نساء شعبه و احتلال ارضه فهم مخلوقات فضائية جاؤوا من كواكب أخرى و غزوا بلاده !
و رغم كل شئ ، و أي شئ ، و زيادة الخسائر البشرية ، و تناقص الارقام الوطنية في دوائر الاحصاء الرسمية استمت الثورة على قدم و ساق ، حتى تناقلت قوى المعارضة الشعبية خبر تنحي الحاكم عن الحكم ، و الفرار خارج البلاد هاربا الى أحد البلدان المجاورة !
***
و بعد نجاح الثورة و تنحي الحاكم ، أصبح الشعب يطالب بدستور جديد واضح - من سماته أنه واضح - لا يأكل حق أحد ، و لا يعطي الأفضلية لأحد لا احد فوقه ، و لا أحد تحته ، يضمن للجميع حقوقهم و يحميهم !
و بدل أن يجتمع الشعب على كلمة واحد تفرقوا الى فئات كل فئة تلقي على الأخرى تهمة التأمر على الثورة لسرقتها لحسابها الخاص ، و التأمر لحساب الحاكم المخلوع ، و التأمر لحساب جهات خارجية تمولها وووو الخ !
و ما بين حانا و مانا ضاعة الثوة !
النهاية
بعد مضي كذا عام على الثورة ، و مع ارتفاع عدد الخسائر يوميا أصبح الشعب يتململ من جدوائيتها خصوصا بعد أن انقلب الأصدقاء الى أعداء ، و أصبح ابناء العم يتنازعون فيما بينهم ، و طالب الناس بالتوقف عن الثورة ، و العودة إلى منازلهم لإيقاف التناحر فيما بينهم !
و بناءا على استفتاء شعبي تقرر تشكيل لجنة استعطاف قاموا بإرسالها إلى حاكم البلاد المخلوع ليعود الى مركزه ، و لكنه رفض العودة رفضا قاطعا ، و لأنهم يؤمنون بحقهم في وضع من يريدونه هم راعيا على قطيعم أقصد مصالهم ، و شؤون بلادهم استمروا في اسال الوفود الى المخلوع حتى و أخيرا قبل أن يعود مشكورا ليتبوأ منصبه مرة أخرى !
و هم عادوا مرة أخرى يُـأدون حركات الانحاء أمامه ، و النفاق ، و عادت الطوابير ، و فتحت من جديد المقاهي أبوابها للعاطلين عن الفعل !
- تَـمَـتْ
24 أذار 2011