السبت، يناير 18، 2014

✿ - أحبك بنصف قلب | قصة قصيرة .


ذات لقاء ..
بينما كان حديثنا يعيدنا إلى مواقع فقدناها ، ابتسمت ابتسامة خفيفة ، وقالت بانسحاق : " في زمان ما تحديتك أن جثث موتى الحب في القلب لا تتحلل . فقلت لي ' يوماً ستلاقين من ينتشل هذه الجثث و يلقي بها خارجاً و يسكن هو ، أو على الأقل سيكون هناك من سيدخل قلبكِ ويكون باستطاعته حصر تلك الجثث في ركن ويبني لهم مقبرة تضم رفاتهم ، و يسكن هو في الجزء المتبقي . تتحدثين الأن بلسان الوجع ليس إلا و الوقت مُسكن الأوجاع ! ' الوقت مضى و الوجع سَكن ،و لكن ليتك كنت الذي كان بوسعه أن ينتشل جثث الموتى من خافقي لا الذي شيد لهم القبور لتبقى نصباً تذكارية في شعابه تفوح منها رائحة الموت المقيته . لستُ بخير كما يبدو فأنا اتنفس برئة واحدة ،و أحب بنصف قلب ، و أحلم بنصف عقل ، نصف مني للحياة ، و نصف وهبته للوجع و الخيبات . أودّ أن أحبك بقلبي كله ، أودّ أن يكتمل نصف هذا الجنون المعربد بي . الحب كهل لم يعش شبابه أبداً ، أودّ أنّ أعيش طيشه و شبابه . " 

وما أن لمعت أحداقها مضت راكضة بأقصى سرعة تستطيعها ، ثم أرتمت تحت سنديانة تنتصب كقدر جائر ، قالت وهي تلهث : " كلما شعرت أن هذا اللعين قلبي يوشك أن يقفز حيث يثور بلارجعة باردة لا أجد حل إلا الركض و الركض حتى تنفذ طاقتي فلا يعد باستطاعتي التفكير بشئ غير التعب ، و لكن حتى و أنا منهكة القوى لدي رغبة ملحة أن أحرق العالم .. و أقف وقفة نيرون و أعزف على القيثارة ألحاناً مستوحاة من لهب النار ! " 

تمنيت آلا تهدء ثورتها ، و آلا تسكت أبداً ،و لكنها فجأة سكنت كما بدأت فجأة . ولم يكن لدي ما أقوله ، فخيم صمت دبق إلى أن حط عصفور على غصن السنديانة و راح يغرد لحناً عذب ، جذبها لتشاطره الغناء فراحت تغني : " أنت و أنا .. يا ريت نطير عَ جوانح عصافير نطير عَ مطارح ما فيها حدا خلف المدى .. ما في حدا خلف أخر صوت من أخر صدى ما في حدا و الشمس تحملنا و تغزلنا حرير .. ياريت فينا ننسرق عَ جناح شي ورقة عم بيطيرها الهوا سوا سوا سوا خصلة سما زرقة .. "

نظرت إلى وجهها الحزين و عينيها الذاهلتين لبرهة ، ثم قاطعت غناءها سائلاً : " هل نتزوج ؟ " عندها رفعت عينيها إليّ ، كانت نظراتها ترسل القشعريرة في بدني ، و كان في عينيها شيئاً لم أره من قبل ،هذا الشئ سمّرني إلى وجهها كأنني آراها لأول مرة ، و أقع في حبها للمرة الأولى . قالت و صوتها يرتد بداخلها فأسمع صداه كما لو أنها كيان مجوف : " ما الذي تعرفه أنت عن الزواج ، عن الحياة ، عن الحب ، عن كل شئ ؟ لعلك الآن تتخذ قراراً مصيري في ساعة اضطراب عقلي ! " 

صمتت قليلاً ثم أردفت بنبرة حادة : " من اخترع الكلام ؟ لقد أوصل الانسان إلى الحماقة ، و الحماقة تفسد كل شئ . أريد أن تفهم رغم أن الفهم مصيبة ! "

- يا عزيزتي تملئنا المآسي لأن صدورنا مغلقة عليها ، ولا بد أن نجري لها عملية جراحية تشق صدورنا لتنفتح على الحياة أكثر ، و تتسع للحب . أنتي تحبينني بنصف قلب اليوم و البقية تأتي بلا شك ، تزوجيني و أنا راضٍ بنصف القلب هذا ، و النصف المتبقي بكل تأكيد فراخنا ستشيد فيه قصور محبتها فوق الرفات التي تشتكين منها ! 

ابتست و هي تلقي نظرها على مد الأفق ، و قالت : " ماذا فعلت بي الآن أشعر بالحزن المستعمر بي يحمل نكهة حنان دافئ ! " 

فجأة التقت عيناي بيعينيها ، و لمحت بوادر سؤال حائر أجبت عليه دون أن أسمعه :

- ستكون الحياة أجمل ، دعينا نقامر من أجل حياة جديدة لا تصلب فيها قلوبنا .. صدقيني التجربة مغرية  و الثمن لا شئ ، اليوم نحمل موتى الحب في اعماقنا ، و غداً ننجب ما نستمر من أجله رغم المعاناة ، أو نموت .

- ما معنى هذا ؟

- اقبلي عرض الزواج ، إن ثماره ستكون الثورة التي تقتلع كل شئ راسخ في الركن المعتم في قلوبنا ، و تعيد خلقه من جديد .


ضحكت ، و كانت ضحكتها أروع من ألحان العالم قبل أن يلفنا الصمت ،ثمة كلمات لا نستطيع التفوه بها أحياناً ترقد في الصدور ملفوفة بهالة عظيمة من الكبرياء ، هي تقبل بذلك العرض ، هذا هو السر الذي افشته ضحكتها الصاخبة قبل قليل ، إذاً عليّ أن أبادر . قلت و أنا متردد و أشعر بشئ من الخجل : " متى موعد لقائي بوالديكِ ؟ " 

قالت بانشراح : " في أيّ وقت .. أحبك بنصف قلب و البقية تأتي ! " 

غمرتها بنظرة حنان و لهي ، و تمنيت بكل عمري أن أضمها إلى صدري ، شئ ما يقتلعني من جذوري لأحلق كفراشات الربيع ، ما أحلاها حبيبتي أجمل من شمس نيسان . 

- أحبكِ بعمري كله ! 



انتهت 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites