السلام عليكم
السلام على الحاضرين الغائبين . . الشهداء العاشقين
على الدماء تخصب وجه فلسطين ؛
ماتت والدتها و هي لا تزال طفلة صغيرة ، لا تعي مفردات الحياة ولا أهميتها ، فلم تعرف ملامح وجهها إلا من خلال الصور ، و كل ما تعرفهُ عنها منقول إليها من الأقارب و مروي عنها مِن مَن عرفها و عايشها ، و بينما هي في سنواتها الأولى استشهد و الدها ، فكفلها أعمامها و عاشت بينهم يتيمة تكسو عزة النفس ملامحها الملائكية إلى أن شَبت ، و أصبحت زينة بنات قريتها ، و بعد نجاحها الباهر في الثانوية العامة ( التوجيهي ) حصلت على منحة دراسية لكونها ابنة شهيد ، و استطاعت أن تكمل دراستها الجامعية بتفوق و تميز .
اقترنت بشاب كان زميها في الجامعة ، فقير لكنهُ جميل المظهر و الهندام ، ملتزم و يعرف قواعد الأصل و الأدب ، حملها على كفوف الراحة ، و وضعها في صميم فؤاده ، و أغناها عن سواهُ من الناس ، فكان أهلها و عزوتها بعد أن تخل عنها أهلها ، إذ اختارتهُ دون أبناء عمومتها ، فصار لها الأم و الأب و الصديق و الحبيب ، و بالطبع بادلتهُ نفس الشعور و زيادة .
تقاسما عناء الحياة و عاشاها بحلوها و مرها ، فأبدلهما الله عن شقاء نهارهما ، و صبر ليلهما بمولد ٍ أنثى أسمياها فِلسطين تلاها بمولد ذكر أسموهُ ( صابر ) ، و فاض عليهما بعطاياه ، و كم سجدت لله شاكرة فضل عطيته سبحانه و تعالى .
و مرت الأيام في سعادة ، و رضى من الله ، حتى ضربت العلل و السقام جسد زوجها ، و مرض مرضا ً شديدا ً ، أقعدهُ طريح الفراش ، فصالت وَ أبناءها و جالت به بين الأطباء ، و لكن الله شاء !
فامتلأت المقل بالدموع حتى فاضت عنها ، و حفرت أخاديدها على الوجوه ، و صارت الدعوات تتلى في وقت السحر بجوف الليل ، إلا أن قدر الله غالب ، اشتد مرضهُ أكثر ، وظل يتقلب على جمر الألم حتى فاضت روحهُ ، فأفاض الحزن عليها ، و ضرب بخيامه حولها .
حاولت أن تنقذ نفسها لأجل ولديها فِلسطين و صابر ، لتُظِلَ عليهما بعد فقدان زوجها ، و جاهدت لتقيهم قيظ الصيف و زمهرير الشتاء ، حتى وصلت بهم بر الأمان و رأت أحفاذها ، دون أن تَكَفْ بكاء زوجها في جوف الليل ، و وسط النهار إلى أن انحنى ظهرها ، و ضمر جسمها ، و رغم أنها تقضي أيامها بين أبنائها و أحفاذها ، إلا أنهُ لا يشغل بالها إلا ذلك القادم من بعيد !
عساهُ يأتي و يقترب ليضع نهاية للأجل إذ أنها أدت الأمنة ، و تشتاق للأم و الأب و الزوج .
- النهاية
حنين نضال ( حنين أدم )