الأحد، يونيو 03، 2012

✿ - |: النظرة الأولى \ قصة قصيرة ..

بسم الله الرحمن الرحيم 
السلام عليكم و رحمتهُ تعالى و بركاته ..
حين يكون الكلام عن المُحبيّن جميل أن تسمع أنهم تزوجوا .. و المبكي لو سمعت أن جوهرة أصيلة تعاني جراء مُحب خصوصاً لو أنها وقعت في شباك الغرام من النظرة الأولى فهل سينصفها القدر يوماً أم ستعاني طويلاً ؟؟
:



الساعة العاشرة مساءً ..
أنهتْ معلمة اللغة العربية الشابة يتيمة الأبوين تصحيح أوراق الإمتحانات ، و جلست في سكون تقلب صفحات كتاب لِـ غسان كنفاني بعد أن خففت النور للاستمتاع بسكون و عاشت مع كلمات غسان العميقة حتى داهمها النعاس و حال بينها و بين باقي صفحات الكتاب ، تدثرت بغطاء خفيف و نامت بسريرة مرتاحة البال .

الصباح الباكر  ..
تفتحت زهور جسدها الخفية ، لم تكن تتصور يوماً أنها ستقع في شباك الغرام و كانت بعيدة عن هذا الفكرة كُلَّ البُعد  .. لكنها حين نظرت بغتة إلى زميلها الجديد لم يكن بمقدورها سوى أن تحبهُ من كُل قلبها ، كان يبدو  لها كما لو أنها التقتهُ في ذاكرة سابقة جُللت بغمامة سوداء مبهمة .

كلما أتى لاحقاً كان يظهر لها على غفلة ، يقترب من عينيها و يمزقهما دون أن يقرأهما و ينظر إليها و النظرة بحيرة راكدة تولد بها دعوة لإحتراقها في صمت ، ثم يتوارى خلف حنان غريب ، عندئد تبحث عن أوراق تمزقها لتخرج ما بدخالها فلا تجد سوى ضباب يخيم غيابه عن حدود نظرها و يغيب عنها البصر ، تفتح كل ما هو مغلق محاولة طرد غيابه عن مساحة رؤيتها لعلَّ و عسى بصرها يعود أو  يرحل عنها العمى فتبدء بالسعال لإخراج صوته من رئتها عازمةً قتل صمته المريب فتغرق هي في أعماق الوهم حزناً .. تصرخ لإبتلاع هلعها فيجيب :- " لا لون لذوبانك أنتي عدم و أنا حبة الملح الصغيرة التي ابتلعتها قطرة ماء  أجهضتها عيناكِ "
تهرول إلى أقرب صبورة تعرب فوقها الأمل و الحب مبني للمجهول و تغادر  كفراشة تمزقت أجنحتها و اخترقها الضوء غير مصدقة ما ينتابها من أحاسيس غريبة غزت فؤادها و أخذت بروحها إلى مرفئ بعيد .

مرت أيام أطول من فصول السنة بلا مطر على علاقة الطرف الواحد و هي تخفي ألمها في قلبها ، تفكر في طريقة تطفئ نار الحب المتلظية في مضغتها ، فكرت بالبكاء و أمست كُلَّ ليالي صيفها الجاف رطبة بدموعها ، تحبهُ خلسة ، تشتاقهُ خلسة ، تتمناهُ خلسة ، و تتواجد معهُ في نفس المكان بغية نظرة واحدة تحظى بها خلسة ، حتى عَلِمَ بنظراتها التي تختلسها فشعر بقوة جاذبية نحوها ، و بعد أن التقت الأعين و خفقت القلوب و تراقصت المشاعر و الاحاسيس لم يعد هناك مجال لعدم اعلان هذا الحب داخل القلوب قبل الألسن .

مر الصيف و أتى الخريف ..
نارهما لا تزال متقدة و لن تبرد حتى لو صُبَّ فوقها كل ماء المحيطات و البحار .. قرر هو  إطفاءها بالمصارحة عَلَّ النار تُمسي جنة ، وذات مرة قطع طريق مغادرتها السريعة و طلب أن يرافقها المسير ، اعتذرت بأدب :- " تَعْلَم أنا وحيدة و يتيمة .. ماذا سيقول عني الناس لو شاهدوني أسير في الشارع برفقة رجل غريب ؟؟ حتى لو كنت زميلي اعذرني سُمعتي كُلّ ما أملك ! " 
تقبل رفضها برحابة صدر و طلب منها دقيقة تأخير فأعطتهُ الدقائق بسخاء ..

:- " لا أعرف من أين أبدء .. ببساطة أنا أحبكِ و أنتي الأن كل حياتي فإن قبلتي بقلبي الصغير أكون أسعد رجل على الأرض و إن لم تقبلي أكون أسعد صديق ! "
:- " قبولي يترتب عليه شرط ! "
:- " ما هو ؟ "
:- " عليكَ المحافظة على هذا القلب فهو مكسور منذ زمن مهجور منذ سنين لم يرتاده أحد بعد رحيل والديّ .. حافظ عليه ! "
:- " سأحافظ عليه و أحميه فهو سر سعادتي في الوجود يا وجودي "


:


عادت إلى بيتها سعيدة لأول مرة كعصفورة صغيرة تعلمت الطيران حديثاً مزهوة بجناحيها و هي تجتر نشوة تلك اللحظة .

في المساء ..
خلدت لفراشها حيث لا يزال كتاب غسان كنفاني الذي نسيت أمره بعد تلك النظرة و هي تفكر لماذا هو دون سواه علقت صورته في رأسها من النظرة الأولى ؟؟ و لماذا لم تتوقف عن التفكير فيه ؟؟ 
أخذت الكتاب و أكملت قرأته حتى توقفت عند هذا المقطع " أنَّ مستقبل إنسان كامل تراه فجأة متعلقاً بحادث صغير .. إن عقدة المسبحة أصغر من حباتها و لكنها إذا انفكت كرت ثلاث و ثلاثون حبة واحدة إثر الأخرى .. و أحياناً ينحرف الماعز الأكبر في القطيع وراء قشرة برتقالة فيتبعه القطيع بأكمله .. و قد يتجاوز سياجاً فيشتبك الرعاة بالمزارعين و يموت ناس و تفقد دواب و تعقد ولائم الصلح فيأكل فقراء القرية و مجانينها و أطفالها العراة و خيلها و بقرها .. و يرى مدعوٌ ما فتاة ما هناك فيخطبها و يتزوجها و تنجب لهُ أولاداً و بناتاً . " 

أغلقت الكتاب و نامت في تبات و نبات و حلمت بأولاد و بنات . 


- النهاية ..

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites