بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته ؛
لا يزال يجلس بجوارها على حافة السرير منذ اكثر من ثلاثة اسابيع ، يتأمل وجهها الشاحب الذي فقد الكثير الكثير من اشراقته و بهاءه في الأسابيع الثلاثة الماضية ، و حادث السير لا زال يترك اثاره الزرقاء و ندبهُ على جنبات وجهها ، و تمكن السواد تحت عيونها ، و بالرغم من كل هذا لا تزال تحتفظ بملامحها الملائكية . . !
مسك يدها و هو يهمس بصوت أجهشهُ البكاء :- " أرجوكي لا تموتي ! "
فإذ بها تشد على يده ، و تفتح عيونها لأول مرة بعد غيبوبة دامت ثلاث أسابيع ، بدا لها كل ما حولها ضباب إلا دمعاته المتقاطرة من عيونه التي تحفظها جيدا ، رسمت له على وجهها ابتسامة بالكاد بانت لعيونه الغارقتين بالدموع . .
اقترب منها و ضم جسدها المستلقي بكل وهن أمام ناظريه ضمة شوق و قلة حيلة تمنعه من تغيير وضعها لتعود اليها الحياة و النشاط كما كانت من ذي قبل ترنوا أمامه على اثنتين بدلال و خفة ، على جبينها المبلل بالعرق طبع خاتمه الذي اعتاد ان يضعه لها كلما حب أن يعبر لها عن حبه ، و هو لا يزال مشدوها أنها أخير فتحت له عيونها ، هتن دمعه المنكوب ، و رسم هو الأخر لها ابتسامة أمل و فرح دون الدمعات ، محاولاً استذكار أبجديات تعلمها في صغره ، و من دون إرادته زاد انهمار دمعاته . . !
هي ضاربة بجدار الصمت قالت بصوت خافت :- " سامحني . . أرجوك سامحني ! "
هز لها رأسه و دموعه تلتقي أسفل ذقنه ، و قال :- " سامحك الله دنيا و أخرة "
فارقت يدها باطن كفه الرجفى ، و بسطتها برفق على وجهه المبلل بالدموع محاولة تجفيف أخاديد الدموع فوق وجنتيه ، و بدأت تحرك شفتيها ناطقة بكلمات لم يسمعها إلا بعد أن وضع أذنه بالقرب من فمها . .
" سامحني لأني لم أوفي معك الوعد . . وعدتك إلا نفترق و ها هو الموت يفرقنا "
التقى وجهه بوجهها حيث لا يفصل بينهما سوى أنفاسها المضطربة ، وضع يده على فمها و هو ينظر في عينها الغائرة في وجهها النحيل نظرة رجاء ألا تكمل الحديث لتسقط من عينه دمعة ، و لم يرى سوى دمعات ترقرقت من مقلها حافرة أخاديدها فوق و جنتيها ، و غدا حال كل منهما كالأخر ، إلا أنها مستلقية في كنف الموت و هو لا حول له مع الموت و لا قوة . . !
لا يزال يحاول استذكار أبجدياته ، فلم يتحرك لسانه بعد ، و لم ينطق بحرف ، جاهلاً ما ينتظر ، و أخيرا لملم شتات نفسه ، و استعاد أبجدياته و همس في أذنها و شهقاته تسبق كلماته قائلا :-
" ما بك حبيبتي . . أنتي لن تموتي . . و لن يفرقنا شئ حتى الموت "
و بصوت متقطع قالت :- " إنه الموت لا جدل "
و بدأت تذكره بحلمها الذي أخبرته به قبل الحادث الذي نجى منه هو سالما ، و هي افترسها ليقعدها طريحة فراش الإحتضار بلحظات ، فقد رأت و الدتها ذلك اليوم و قد جاءتها من عالم الموت عازمة أخذها معها !
لم يعد يتمالك نفسه و انهار في استسلام ، و دفن رأسه في صدرها ، و انخرط في بكاء مرير ، و بدء الخوف و الذهول يستشري في جسده ، إتجه مشدوهاً في اتجاه الباب يستجدي طريقة يتصدى بها للموت ، غير مدرك أن القدر غالبا دوما ، و سيغلبه هذه المرة بالتحديد مهما فعل . .
مسكت يده راجية إياه عدم الذهاب ، الموت يقترب منها و هي تريد أن تكون صورته أخر صورة تغلق عينها عليها إلى قيام الساعة على أمل أن يجتمعا في الجنة ، ذكرته برسالته التي بعثها لها على حسابها في الـ facebook قبل أن يذهب إلى الجيش !
" كل ما أوحشك أدخلي و اكتبي اني وحشتك ، و كل ما تدايقي تعالي و فضفضي برساله و كأني بقرأهم بالظبط يا أحلا صدفة بحياتي "
كلما اشتقت إلي أدخل على حسابي على الـ facebook و ارسل لي رسالة و كلما ضاقت بك الدنيا اكتب كل ما بخاطرك لي برسالة و كأني سأقرأها بالظبط حتى و إن كنت على يقين أنك لن تجد الرد و لكن تأكد بأن رسائلك ستصلني و ستقرأها روحي التي لم و لن تفارقك أبداً ، سأزورك في الحلم و أخبرك بأن رسائلك وصلتني ، و لا تنسى وردة القرنفل الحمراء التي وعدتني بواحدة منها كل يوم مكانها بعد موتي فوق قبري و داخل قلبي!
اختلطت دومعهما و هي تنطق جملتها الأخيرة " لا إله إلا الله "
و قبل أن ينتهي من جملة " محمد رسول الله "
شهقت معلنة خروج الروح من الجسد خاتمة بشهقتها لحظة الألم لتأتي لحظة الوداع الأخير لتشهد كل الدنيا أنها النهاية .
- النهاية
حنين نضال ( حنين أدم )
حنين نضال ( حنين أدم )