انطلقت تمزق بكفيها سواد الحداد ، كَـ تائهة بين ظلام عباءتها و صبغة الليل القاتمة ، و جهنميّة لا تصافح إلا الحناجر الغاضبة حتى تنتهي كل السُبُل حطاماً بعرض حائط تخشاهُ كل الأشياء حتى عوامل التعرية ، فَـ استحالت لها الشهادة .. و الفراق .. و المنفى !
فكانت هي أكثر الظواهر الطبيعية جبروتاً و ثورة ، بركان ذا حمم ، و لا يطفئ نار ثورتها إلا سيلٌ من الدموع تنشجه لهيباً ينضج فكرة ، تتعثر بصرخات مبعثرة تتمنى الشفاه قطفها ، ولولةٌ أنهكتها قصيدة توشحت بالأنين ، و تصدعت حروفٌ من الصبر بنت بيوتها ، كدمات على وجه ذاكرتها المنضدة كحبات الرومان ألبستها رداء الأقحوان بحضرة ملك الموت ، و الجنة تستعجلها الرحيل .
توقعت أن تكون هذه الليلة الفاصلة بين الوجود و الفناء ، و على حبال تشبثها البالية تشتد أعاصير الرحيل لتنبئها عن سرعتها القصوى بصعودها الأخير ، كأنما روحها قد تجردت من جسدها قليلاً ، تذكرت حبيبها فَـ همست إليه في تلك اللحظة :
- إن ماتت حبيبتك لا تحزن ، هناك ألف حواء سواها تنتظر .
و كأنها نسيت الموت الذي تركته يضاجع جسدها المسترخي ليقطع أخر حبال تشبثها في هذا الحياة و تداركت همسها :
- هذا ثمن الحرية !
أصابعها تتكسر في راحتيها تكسر الأغصان برياح الخريف ، و هي تنسل من قبضة محبوبها و تتركه لعله يحضى بقليلٍ مما ماتت في سبيله .
- النهاية .