سأظل أتذكر تلك النظرة التي ما لبثت حتى تأخذ شكل الرضا ، هذا الرضا الذي الذي أفصحت عنه دون كلام .
قالت :- "ما نحن - البشر - إلا عابرو سبيل . يظل بقاءنا في هذه الحياة أصغر الأماني فيها ، و فكرة بقاءنا ليوم زيادة معجزة نرتجيها ؛ لقلقٍ أن ابتعادنا سيؤذي من لا نحب إذاءهم " .
ثمّ ابسمت باحساس يتصاعد بالرجاء ، قائلة :- "جديرٌ ببعض الفرح .. على الأقل فرح وجودي معكَ الآن ، أليس كذلك ؟! "
سألتها بايماءة تعجب و استنكار : "هل أنتِ بخير ؟"
ثم كررت سؤالي بصوتٍ مسموع ، و أنا أرفع وجهي ملسوعاً ، و عرفت أني لم أكن مصغياً لصوت الهمس الكسير الذي ظل يلح على سمعي :- "يوماً سأغادر طيفاً نورانياً محملاً على أجنحة الطيور المهاجرة إلى الأرض اليباب ، و سأبقى إذ ما غادرتُ سطراً في كتاب يقرئك التعويذات كل ليلة لتسمر الحياة من بعدي دون ارتياب !" .
ثم تلاشى صوتها ، و بدا لي و كأنه تبخر مع سريان الهواء الصباحي الذي غزى كتمة الغرفة في لحظات آتياً من الشباك مرتحلاً من الباب ، و اختفت من عالمي كأنها لم تكن في صباحٍ خريفي هادئ ، كعادة الأشياء و اللحظات الجميلة في حياتنا ترحل منسلة بلا عودة لتبقى محظ ذكريات تبث فينا الوجع بذات القدار من الفرح الذي منحتنا إياه حينها !
أخيراً قد تكون ميتتها الصامتة المنكسرة حلماً فظيعاً له قوة حضور الواقع ، أو واقعاً فظيعاً كحلمٍ استحال إلى كابوس ، لكنها ماتت ، و كلنا لها " كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام " ؛ اليوم هي و غداً أحدنا ، فَ قطار الرحلة يلفظ بعضنا سارقاً منا بعضنا في رحلة مجهولة البداية و النهاية !
- النهاية