بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته ؛
ما أن غفت عيونهُ حتى وجد نفسهُ في جلسة عائلية ، لم تجتمع هذه الجمعة من زمن طويل ، و الكل يتحدث ، يبتسم ، يمزح ، يضحك ، مناوشات ، تراشق بالكلمات ، تعلو بعده الضحكات . .
إلا هو ظل صامتاً ينظر إليهم بإرتياب !!
حاول مراراً مشاطرتهم أطراف الحديث إلا أن شيئاً غريباً كان يمنعهُ ، و كأنه كتب عليه هذه المرة أن يتأملهم ، يستمع إليهم يستمع و فقط !!
و حال حانت ساعة النوم افترش الجميع باحة الدار ، سعى لينام بينهم ، إلا أن أحدهم أشار إليه بوجوب النوم في الجهة الأخرى لا معهم ، دون إرادة انصاع لأمره رغم تخوفه و ريبته !!
افترش الجهة المقابلة لهم ، و راح يتقلب مستجدياً النوم دون جدوى ، إلا أن عيناهُ ظلت تحدقان صوبهم بترقب ، و هو يحاول تكذيب شعوره أن شيئاً ما سيحدث !!
و ما أن دار عيناهُ عنهم حتى أرعبتهُ الدهشة و الذهول لوجود زمرة من الجنود المدججين بالسلاح يقتحمون باحة الدار عليهم ، غمر رأسه تحت الفراش فاقترب منهُ قائد الزمرة ، رفع الغطاء عنهُ و ضربه بقدمه ، و هو يقول :- " היי היי לקום ! . . هاي هاي لكُوم ! . . و تعني بالعربيه انهض ! "
رد عليه بالعبرية :- " מה אתה רוצה ؟ . . ما أت روتسي . . و تعني بالعربية ماذا تريد ؟ "
كبلهُ بقوة ،و شدهُ من شعره وهو يقول لهُ :- " לראות ! . . لَرُؤت . . و تعني بالعربيه أنظر ! "
وما أن رفع بصرهُ حتى انهال على أهله النيام الرصاص القادم من كل حدبٍ و صوب من بنادق الجنود الذين أمرهم قائدهم قائلاً :- " תקצור אותם ! . . تكسور اتام ! و تعني بالعربية احصدوهم ! "
أخذ يصرخ بصوتٍ عالٍ ، و يستغيث ، و يتوسل البنادق دون جدوى !
أخذ يقفز أمام الرصاص ، و كلها كانت تخترقه أو تعبر من فوقه ، أو عن يمينه ، أو عن يساره دون أن تصيبه بشئ ، و على الطرف الأخر تفجر ينابيعاً من الدماء !
حتى انتشلتهُ من ذلك الكابوس حاسة السمع التي تجمعت فيها كل قواهُ في لحظة ، و التي التقطت صيحات قريبة لطفلة صغيرة تنادي : " بابا .. بابا "
و قبل أن يهم بفتح جفنيه حاول عبثاً دفن ذلك الكابوس في سراديب النسيان الأبعد عن الذاكرة و التذكر !
في الأثناء ولد في مخيلته المخدرة استفهام " هل هو كابوس أم أنهُ واقعاً هذه المرة ؟ "
و قبل أن يصل إلى إجابة تراءت لهُ أشلاء أهله !!
أخيراً استطاع أن يوزع قواهُ على حواسه الخمس كي يستقرأ الوضع من حوله ، ليجد نفسهُ مضطجعاً تحت شجرة زيتون ، و ثمة طائرة ورقية تسبح في السماء بذيل ملون بألوان العلم مشدودة بخيط رفيع إلى يد فتاة صغيرة تجلس بجواره رسمت لهُ ابتسامةً شفافة حال فتح عيونهُ ، مع رقرقة خفيفة في مدمعيها أسكنت الطمئنية في قلبه ، و عندما خضع لعملية استعادة الوعي ، و استطاع أن يدرك أنها ( هي حياة ) ابنتهُ التي كان يحكي لها حكايتهُ قبل أن يغوص في بحر الأسى اللجي .
- النهاية
حنين نضال ( حنين أدم )