الثلاثاء، يوليو 24، 2012

✿ - إتكاءة روح !





عند انكسار الزاوية تسعين العارية من الحياة تتربع ..
الزاوية نفسها ، خيط الضوء الوحيد المتسلل إليها هو نفسه لا شئ تغير أبداً سوى ملمس الجلد الذي يكسي جسدها .

أحياناً أفكر .. كيف يصل الأكسجين لمثل هذا الكائن المنفي عن الوجود ؟ 
هذا ما دفعني لصنع ثقبٍ صغير في جدار منفاها تتسرب منهُ الحياة كي لا تتعفن في عزلتها على غفلة مني .

حاولت مراراً مع الزاوية تسعين لإقناعها بالإنفراج ولو قليلاً في محاولة يائسة لإخراجها من قبضة هذه الزاوية المنتصبة إلا أنها تعشق كسرها و ضمها و تهاب فتحها المنفرج !

لا زلت  متوجساً من طقوس التعذيب التي تمارسها على ذاتها و التي تحولت إلى هرعٍ يحثني على الجنون ، جلست ملتصقاً بها كف في كفها و بالأخرى أمسح على شعرها ..

- حبيبتي إلى متى هذه العزلة .. إشتقت لبريق الحياة في عينيكِ !

سحبت كفها من كفي و استدارت بوجهها ..

- لا حياة هُنـا تُذكر.. ميتٌ أنـا برئة تتنفس و قلب يضخ الدم !

أمسكتُ كفها المعروقة مرة أخرى و ضممتها إلى شفتيّ أقبلها و أرجوها ..

- أخرجي إلى النور .. بتُ أخاف عليكِ من تسرب الصُبح إلى هنـا .. ستصابين بالعمى من أول عناق حقيقي للضوء !

- لا تقلق عليّ .. فأنا اعتدتُ المكان و تضاريسه جعلت مني شخصاً مقاوم للأمراض و متأقلم على معايشة كل الظروف !

- عن أي مقاومة تتحدثين و عن أي تعايش ؟؟

- أرجوك لا تضاعف من ألمي . هل نسيت كلامكَ ألم تقل أن خيالاتنا الشعرية هزمها الواقع ؟؟

- خيالاتنا الشعرية كانت بمثابة الشتاء الذي يتبع الخريف ليعيد إلى واقعنا ما قتلهُ خريفهُ و لكن أحاسيسنا لن تنهزم يا أملي !



تنهدت بعمق و أنـا هاجمتني عاصفة من الشجن و الأسى تغلبت عليه بمداعبتها باسلوب ساخر 

- سأكسر كل الضلوع القائمة و اجعل كل الزوايا منفرجة إلى 180 لتخرجي من هذه العزلة التي انزويتي إليها من عشر أعوام أو أكتب ضدكِ بلاغ في النيابة أقول فيه :- " شريكة حياتي ستقتلني بعندها و هجرها "

و لجئت إلى الفئران المتكاثرة بداخلي و تحدثت معها و طلبت منها التدخل لفض النزاع بيني و بين زوجتي . ابتسمت رغماً عنها و هي تراني و تسمعني أمارس هوايتي الأثيرة منذ أن تعرفنا على بعضنا فأنا لا أكف أبداً عن مخاطبة فئران سريرتي !

أشرقت شمس حياتي لأول مرة منذ عشر أعوام بابتسامتها و ظهر جسدها الضامر في الظلام . أعلم أن الهزيمة قتلتها و تعلم أن هزيمتها قهرٌ لي و بينما هي تتشبث بحزنها لا تزال قناعتي أن إرادة الحياة يجب أن تنتصر على رغبتها .

- عليكِ أن تخرجي من الزوايا التي تحبسين نفسكِ فيها !

- إلى أين تريدني أن أخرج ؟ الخارج لا أعرف منهُ سوى جدران قصرنا الصغير المزركشة بأحلامنا و كتبي الكثيرة جداً المخلوطة بشذرات حروفي و حماسي المشتعل للدفاع عن وطننا ..

- عن أيّ وطن تتحدثين أخبريني ؟؟؟ و طننا الذي أتى بكِ لهذا المنفى و اختصركِ بهذه الزاوية بالتحديد قائمة الوجع وطننا الذي أهداكِ عذاباً متواصلاً لعشر أعوام و عاهة مستديمة لأنكِ رفعتي شعارات المقاومة .. لأنكِ طالبتي بالحرية .. لأنكِ أبيتي أن تداس زهور الأقحوان بأحذية الجلد اللامعة و لأي سبب تحاسبين نفسكِ بالعتمة ألعاهة تخجلين بها أم ماذا ؟؟ لا يا حبيبة الروح إفتخري بعاهتكِ التي جعلتنا نعيش بذلة بعدكِ و أخرجي و عاقبي من كان سببها .. أكتبي و أكتبي و اشرعي سيوف الحرف و قاومي كما كانت تفعل في السابق أنتي .



عصبت جبينها بيديها و قالت : 

- ألم تمل من إعادة الحكاية نفسها كل يوم ؟؟ 

- لا .. و لن أمل أبداً !

تنهدت بعمق 

- عبثاً تخيلت تقاسيم و جهي الأن .. كنت أبحث عن ثقب صغير في عقلي الخفي و أشياء كثيرة فقدت الإحساس بها و فقتدت القدرة على وصفها إنها شيخوخة الروح و الجسد .. لا زلت في الـ ثامنة و الثلاثين و أقسم يقيناً أنني تجاوزت المائة !


صمتت قليلاً ثم قالت :

- لستُ  فرحة بالزاوية القائمة قيودها تضاعف وجعي ، أتوق لنقش غضبي على الورق .. أتوق للطيران .. لا يهم إلى أين روحي تختنق في جسدها .. أأطير إلى بلاد فيها الانسان انسان أم الى العالم الذي لا يعود منه أحد ؟؟ 

بعد لحظة صمت راحت ترتل الرباعية نفسها التي أحبتها كثيراً لشاعرها الأثير صلاح جاهين :

خرج الإنسان من العدم قلت ياه 
رجع تاني للعدم قلت ياه 
تراب بيحيا و الحي بيصير تراب 
هو الأصل للموت و لا للحياة ؟؟ 


- تمت



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites