الجمعة، نوفمبر 02، 2012

✿ - في قلبي ينبت عوسج | قصة قصيرة .





بعض السحب المجنحة تشقق الأفق ناثرة بأيادي الرياح رذاذها . يداً بـيد نسير كعادتنا مع الخريف نداعب أوراق الشجر بأرجلنا ، و ننتهي بشجرة تفاحٍ على قمة التلة ، بعد فرقة دامت لسنين ، و كالعادة منحتني شجرة التفاح ثمرة يانعة داخلها عطب ، في كل مرة كان يخفف خيبة أملي بضحكة صاخبة حلوة حانية تشعرني و كأنه حاصرني بذراعيه و راح يطبطب علي ، و من ثمَّ يمنحني نصف تفاحته السليمة ، و لكن هذه المرة على غير العادة ضحك ضحكة ساخرة ، و قال :- 

- نصيبك عطباً ، لأنكِ تطمعين بالثمار جميلة المنظر ، و المناظر خداعة !

 هممت واقفة ، و بصوت متقطع يمتزج فيه الشهيق بالبكاء هاجمته قائلة :-

- ومن قال هذا ؟
أنت أكثر من يعلم - ما كل جميل يغريني - ، أحببتك و أنت لا تحظى بقدر كبير من الجمال ، و لم يكن حظي معك أفضل من حظي مع التفاح !

صدقاً لم تكن عباءة المحامين تستهويني من قبل ، ولم أدري متى تطورت مهاراتي الدفاعية . هالني ردهُ واللهِ ! 
و كانت مخيلة قضاتي ممتلئة عن أخرها بوخزات جملته مدببة المعاني و الإتهامات . بعدما أرهقتُ دفاعاً أدرت له ظهري و رأسي مثقل كجلمود ، و تركته يسجل أحكامه في حقي بأريحية ، رأيتهُ متعجباً ، أعلم أن ردي انسكبت عليه كالماء المغلي ، و كانت أحكامهُ تقول : " من أين لكِ بهذه القوة في حضوري  " 

يالهُ من مسكين ، إن كان فيليكس لم يستطع أن يحرر تفاحة نيوتن من قوانين الجاذبية ، أنا و البعد فعلناها و حطمنا قانون جاذبيته !


 - مر زمن طويل ، و الصغيرة التي منحتكَ شرف اكتشاف جاذبيتكَ تعلمت فنون التمرد ، و صوتها نبت له مخالب ، و بيوض لغتها فقست وخرج منها صف قضاة يثكاثرون بالانقسام المنصف ، و بسرعة الضوء ، بعد اليوم حقها لن يضيع . نعم ، لقد تغيرت !
 زرعتَ في قلبي العوسج ، و لا يمكن للعوسج أن يعطي تيناً .

- ألم تكوني أنتِ صاحبة مقولة " تصدق أسطورة العنقاء مع العشاق - هم الأحياء الأموات - يعودون للحياة من رماد احتراقهم مع أول ابتسامة لقاء " ؟؟

- الأسطورة تغيرت حبكتها يا عزيزي ، و العنقاء من رمادها يخرج مارد جبار !

- ولكن شاعركِ الأثير محمود درويش يقول : 
" الأساطير ترفض تعديل حبكتها 
ربما مسها خلل طارئ
جنحت سفن نحو يابسة غير مأهولة 
فأصيب الخياليّ بالواقعيّ 
و لكنها لا تغير حبكتها 
كلما وجدت واقعاً لا يلائمها عدلته بجرافه " .

- الأساطير غيرت بالجرافة حبكتها ، حياتي مريضة بالخريف ، كل أيامي شاحبة كحقول جرداء ، و عشتار وليدة كل الفصول ، و بفضلها كل فصولي خريف . كلانا يعترف بحاجتنا لهذا الفراق ، لطالما ناشدتك أن تزرع لأيامنا القادمة قوتاً ، قلت لكَ إزرع قمحاً و أقحوان ، و زرعت الزؤان ، بأناملكَ حذفت السطر الأخير ، و قبل النقطة تحجرت مضغة و اسْتُبدِلَت معاني الرقة ، وددتُ لو كان نفسُ حكايتنا أطول ، لكن شاء لها أن تموت فماتت ، و كما شاءت الأسطورة عادت من الموت و استعارت معاني جديدة من جرح متوهج .

- من أين لكِ بكل هذه القسوة ؟

- لقاءنا الأول كان هنا ، أتذكر ذلك اللقاء ، و أتذكر أنكَ طلبت مني أن أقتل الخوف ، و قلت حينها قتيلي الأول ، و أصبح القتل عندي مصتصاغ فما المانع من أن أقتل اللحظة ، و الذكرى ، و حبكة الأساطير . اشتهي أن تكون نهايتنا نهاية مأساوية ترافقها اولكسترا تعزف مقطوعة خالدة لن تتكرر ، فهذه الحياة لا تخلد الإ النهايات المأساوية ، روميو و جولييت ، قيس ابن الملوح و العامرية ، و أنا و أنت هاهاهاها .

نظرتُ إليه فألفيتهُ يطالعني بعينين ممتلئتين بالدموع ، ثم انفجر صارخاً :- 

- انتِ غبية ، أريد أن أتزوجكِ ، سأجعلكِ أماً لأطفالي ، تعبت من هذا التيه و الجنون الذي نغرق به أنفسنا ، لا أريد أن أخلد ، وما عدتُ أحتمل المزيد من المكابرة ، ولا أجيد القسوة مثلكِ على مشاعري ، بعد كل غياب لا أجيد لغة العتاب ، حين أراكِ لا أعي شئ غير أني أراكِ ، لا أريدكِ أن تغيبي ، أرجوكِ . 

- ما لا تعلمهُ أني تزوجت .


أبتلعت ما في مدامعي من دموع و أنا أنهي لقاءنا ، و بداخل ألعن كل ما يربطني بأسباب الحياة .
و رحتُ أتمتم بقصيدة قيس بن الملوح على طول طريق عودتي :-

تذكرت ليلى والسنين الخواليا

وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا

ويوم كظل الرمح قصرت ظله 

بليلى فلهاني وما كنت لاهيا

بثمدين لاحت نار ليلى وصحبتي

بذات الغضى تزجى المطي النواجيا

فقال بصير القوم : لمحة كوكب

بدا في سواد الليل فردا يمانيا

فقلت له : بل نار ليلى توقدت

بعليا تسامى ضوءها فبداليا

فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى 

وليت الغضى ماشي الركاب لياليا

فيا ليل كم من حاجة لي مهمة

إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

لحا الله أقواما يقولون : إنني

وجدت طوال الدهر للحب شافيا

فشب بنو ليلى وشب بنو ابنها

وأعلاق ليلى في فؤادي كما هيا

ولم ينسني ليلى افتقار ولا غنى

ولا توبة حتى احتظنت السواريــا

خليلي لا والله مـــا أملك الـذي

قضى الله في ليلى و لا ما قضى ليا

قضاها لغيري وابتلاني بحبهـــا 

فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيـــا

فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت

فما للنوى ترمي بليلى المراميـــا

فلو كان واش باليمامـــــة داره

وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا

أعــد الليالي ليلــة بعد ليلــة

وقد عشت دهرا لا أعد اللياليــا

وأخرج من بين البيوت لعلني

أحدث عنك النفس بالليل خاليا

أراني إذا صليت يممت نحوها

بوجهي وإن كان المصلى ورائيا

وما بي إشراك ولكن حبهـــا

وعظم الجوى أعيا الطبيب المداويا

أحب من الأسماء ما وافق اسمها

أو أشبهه أو كان منه مدانيـــا

خليلي ما أرجو من العيش بعدما

أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا

خليلي إن ضنوا بليلى فقربـــا

النعش والأكفان واستغفرا ليـــا


- تمت .









Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites