الخميس، مايو 16، 2013

✿ - سَرَقَ العَنّكبُوت بَيّتِي - قصة قصير


لم ينم ليلة كاملة ، ظلّ طَوَال الوقت يُصغي دون أن يبذل حركة واحدة لبضع نجماتٍ سقطت من صُدع في السقف ، بدا كعقرب ساعة عطبة ساكناً، وكحل الليل لا يضيء ما اختلجت به عيناهُ . نبت على محياه الهم ، و تحوّل حديث النجمات في أذنه إلى ضجيج بلا مستقر ، مما أثقل رأسه ..

 في الخارج ..
  بدت سرعة الريح أسرع من الدوران في رأسه ، و حفيف الشجر تحول إلى أسدٍ يزئر غضباً . وجد نفسه يرفع يدهُ إلى أذنه ، و يدفن رأسه في المخدة موارياً وجهه من صورة جدته المصابة بشظية في القلب إلى أنّ نام بدون شعور منه ، و دونما خوف أو إحساس بالعاصفة و إنعدام السلامة و الأمان .

في الصباح ..
استيقظ من نومه فزعاً ، كان حلمه الأول الذي عاد به إلى ما قبل الشظية التي أودت بوالده يتيماً ، إلى ما قبل أن يصبح جده قاصاً يروي حكاية الهروب من الموت . في الأثناء مرت على قلبه ريحٌ حَنُون ترسم أمامه ربيع وطنه بستاناً غطته شقائق النعمان ، سرعانما تبدلت الصورة ، و شاهد الدم لأول مرة ، و تعلم أن جرح الوطن ندبة لا تمحى .. من صميم الجرح تراء له مشهد هروب جده الهرم من الموت ، و هو يحمل زوجته المصابة بشظية ، و مفتاح الدار .

علق الجد المفتاح في عنقه ، و ترك كل شئ خلفه البيت ، الأرض ،العرض ، الكرامة ، الترف ، راحة البال ، ... ، الوطن ، و فر هارباً !

:- لو لم يكن لنا وطن لما طردنا منه ، فالعنكبوت يبني بيته في كل مكان ، لا وطن له يسمى بوطن العناكب ، و مع هذا كل البلاد بلاده ، انتماءه لزوايا ، أينما وجدت زاوية بنى لذاته بيتاً .

*

مرّ زمن ..
 تمردت العنكبوت التي منحها ركناً من بيته عليه ، و بنت شباكها حول الدار و سحبتها ، سرقتها ، و أبقته بلا مكان يآوي إليه . 

أطلق نفساً ، و قال :- آه .. يا إلهي ! لم يكن ذلك حلماً ، لا ولا كابوساً ، لقد كان جحيماً ، فكيف كان للعنكبوت أن تتحول بدون شعور من أحد إلى مصاص دماء ، إلى مستوطن ، إلى شيطان أشد فتكاً بالناس من البارود ؟ 

ثم أخذ يصيح : - " نعم ، نعم ، أنا من سرق العنكبوت بيته .. " ، و راح يلهث وراء استرجاع بيته ، إنه يرفض مجرد فكرة التنازل عنه ، و لو قتل دونه .

قادته إرادته إلى مواجهة مع العنكبوت أدرك من خلالها كم نمى مع الوقت عدوه ، لقد تضخم جداً ، و تحول من مجرد عنكبوت إلى تنين ضخم يسد ثقب الأوزون !

*

كانت دقائق قليلة ..
 جهز الفرس و الفأس و الدرع و الرمح ، وكانت له صولة ، و كانت السماء تشاهد ، و رب السماء كان يعجب كما جاء في الحديث النبوي :- " عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه .. فرجع حتى أريق دمه .. فيقول الله عز وجل إلى ملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، و شفقة مما عندي حتى أريق دمه " 

- تمت .


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites