الأحد، أكتوبر 07، 2012

✿ - `ذات خريف | قصة قصيرة .






ذات صباح خريفي أطل من نافذة شيخوخته إلى العالم الخارجي متخفِّفاً من مرارة المرض ليستمتع بتلك النّسمات الباردة ، و بينما ركوة القهوة تُعلن الغَليّـان اتخذ قرارهُ بالخروج ، ودع عجوزه بقبل شبابية و عَبَرَ الممر الترابي الذي تحفهُ من الجهتين أوراق الشجر المتساقطة ، وهو يستنشق رائحة ما بعد المطر ، جلس على صخرة يتفيؤ بغيمة جميلة تحميهُ بحنان من لسعات أشعة الشمس ، ومن تحت أجفانه المنتفخة ظلّ يراقب تلك الغيمة و هي تتمدد مزهوة ، و تلك النّسمات المنعشة تداعِب ذاكرته  الهرمة ، و تدفعهُ لاستعادة ربيعه سريعاً فراحت أوراق العمر تتساقط  أمامه الواحدة تلوة الأخرى . 

امتدت يدهُ إلى ورقة حطت على سطح كفه الرجفى ، و أخذ يتأملها فيما كانت مخيلته ممتلئة عن آخرها بصور سوداء تعج بالتفاصيل ، راح يتمنى لو كان لذاكرة خريف تتجرد فيه من الذكريات المؤلمة و الأوجاع فيغشاها الشتاء فتزهر بربيع من الفرح و السرور طمعاً في التعاليل . ضمّ يده المعروقة محاولاً تهشيم تلك الورقة ، لكنها صمدت ولم تتكسر كأنها تعلم أنه لا يستطيع تهشيمها أو قتلها ، و فيما كلُّ الأشجار من حولهُ عارية ، ومن كان لا بدّ لها من فراق أوراقها شاطرته سقوط صفحات ماضيه  المفرحة و الحزينة إلى أن أشفق عليه نهاره الخريفي ، و راح يطبطب عليه و أهداهُ لوحة نارية رائعة قبل الغياب أبهجت قلبهُ و مسحت دمعة مكبوته كسرت حواجز الصمت و تكلمت ، فحملت شهقتها الطيور العابرة ؛ فقد انسكبت ألوان المغيب عليه سحراً و دفئاً و بهجة ، و كان لزخات المطر المتدفق من غيمة حانية أيضاً بعض الفضل و الجمال ، و للأشجار المتزينة بالأصفر و الأحمر ذاك الجلال .

أخذ نفساً عميقاً ، و راح يقول بقوة و ثقة : 
- رائع و ساحر أنت أيه الخريف .

جمع أطراف جسده المتباعدة ممسكاً بعصاه وهو يهتز من رأسه حتى أخمص قدميه عازماً العودة إلى منزله الفخم الذي أفنى ربيع حياته في تشييده ، فتدحرجت دمعة ساخنة فوق أخاديد الزمان التي تركتها سنينهُ العجاف على وجهه الذي مازال يحتفظ بملامح وسامته التي كان يتمز بها حتى خانه خريف العمر و سقطت أوراقه البخيلة ، و أرت به عجوزاً هزيل أنهكهُ السلاطان اللعين و قضى على ما أبقتهُ الزمان من قوة شبابه  .

مسح دمعته و هو يغتال غصة وقفت كالشوكة في حلقه ، و تهيأ للقاء شريكة حياته التي ما زال يراها بعيون الماضي - أجمل نساء الأرض - و تصنع القوة و النشاط  وهو يستقبل وجهها بابتسامة تُشعرها أنه لازال بخير ، و ما زال في العمر متسع لمزيد من المداعبه ، و الغزل .

- أحبكِ يا أجمل نساء الأرض !


- النهاية .

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites