أقبلت و على محياها علامات أفكار تتناطح في مشيتها ، كأنها سحابة متوحشة تُمطر الأرض من تحتها بوابل من الغضب .
- ما بالك ؟
لا بأس أن تسألي عني و عن حالي إن كنتي تجهلين البدء بالحديث !
لم ترد ، و بقيت جامدة ، صامتة إلى أن انفجرت بالبكاء على حين غرة ، كانت نبرة أنينها تزداد حدة ، و نفسها يضطرب .. انفلتت تنهيدة مقتضبة منها ،و هي تغطي وجهها بكلتا كفيّها :
- لو أنّ .. لو أنّ التاريخ يُكتب بالورد و التوتْ لا بالدم و البارود !
ينهض رجلها الجالس بقربها ، يحتضنها وهو يمرر أصابعه بخصل شعرها المُكتضة بالشيب ، ويرسم قبلة حانية على جبينها الندي .
- يكتب التاريخ يا حبيبة القلب في بلادنا - بالفعل لا بالتمنى - بالورد . وهل يموت في سبيله إلا الورد ؟ و دمنا في سبيل بضع سطور منه رخيص يسفك كأنه عصير التوت ، على طاولات العشاء السياسية الكل مدعو و الفاتورة يدفعها شعب الخيام !
صمت لبرهمة ، ثم اردف :
ما لبثت أن تنطق بهذه الجملة حتى تحشرج صوتها ، و غاصت بحمى صدره . رفع رأسها و نظر في عينها و هو يقول :
صمت لبرهمة ، ثم اردف :
- افرضي أنّ تلك الشظية سببت له إعاقة ما ، و بقي حياً يتألم .. أصبري و ادعي له بالجنه .
- لكنه صغير على الموت و ..."
- لطالما تمنيت أن أزفه إلى عروسه ، ولكن ماضينا الأعوج يُعرقل سيرنا نحو الأفضل ، و يقتل حُلمنا الأجمل .. هذا قدرنا على هذه الأرض ، يطحننا كطحن الرحى منذ عقود دونما رحمة في سبيل الرحلة المؤجلة إلى الحرية ، الصبر .. الصبر !
قال قوله هذا ، ثم غاص بدوره في حمى صدرها الأثكل ، و انفجر بالبكاء و هو يردد الأية الكريمة "و بشر الصابرين .." .
- تمت .